شريط الأخبار
"العدل الدولية" اامر اسرائيل باجراءات لادخال المساعدات لغزة مندوب الملك وولي العهد يشارك بتشييع الفريق طارق علاء الدين المحكمة تقرر تعويض مستثمر بـ 15.5 مليون دينار من بلدة الرصيفة سلب سريلانكية بالتهديد باداة حادة غرف الصناعة تطالب باشتراط اسقاط الحق الشخصي للعفو عن مصدري الشيكات قراءة استراتيجية: مخطط إسرائيل بتدمير حماس يقترب من الفشل "الاعيان" يقر قانون العفو العام اصابة 3 مستوطنين بجروح باطلاق نار في الاغوار "ذا إيكونوميست”: في لحظة قَوتها العسكرية.. إسرائيل ضعيفة للغاية صورتاه وهو ينتحر.. تبرئة شقيقتين من قتل والدهما في عمان ارتفاع الحرارة اليوم .. وعدم استقرار جوي ضعيف الجمعة والسبت تصعيد كبير على حدود لبنان وشهداء.. وصواريخ حزب الله تنهمر "الكهرباء الاردنية" تؤسس شركة لشحن المركبات الكهربائية غرف الصناعة تبحث أثر شمول جرائم الشيكات بالعفو العام محافظة يرجح صدور نتائج المنح والقروض الجامعية قبل العيد حماس تنشر رسالة مسجلة لقائد "كتائب القسام" محمد ضيف 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى حزب المثاق يعلن مشاركته بالانتخابات النيابية القادمة الملك والملكة وولي العهد يلتقون وجهاء وممثلين عن البادية الوسطى 40% زيادة القادمين والمغادرين لمركز العمري

الغُمُوضُ في الشِّعْر العربي الحديث 1/2

الغُمُوضُ في الشِّعْر العربي الحديث 12
 
    د. محمد علي النجار
 قضية الغموض في الشعر العربي ليست وليدة العصر الحاضر ، فقد لازم الغموضُ الشعرَ منذ زمن طويل ، فوجدناه في شعر المبدعين بحيث يمكننا القول : إن الغموض صفة تلازم الإبداع الفني الأصيل ، لذا رأينا الغموض في الشعر العربي القديم يبرز بصورة جلية مع أبي تمام والمتنبي ، وهذا يقودنا إلى عبارة أبي تمام المشهورة عندما سُئل لماذا لا تقول ما يفهم ؟ فأجاب : لماذا لا تفهمون ما يقال؟ إلا أن هذا القول يجب ألا يفتح الباب على مصراعيه للشعراء الجدد ، ليتخذوه حجة على غموضهم غير المبرر غالبًا.
     فالغموض عند أبي تمام والمتنبي ، كان جزئيًا ومحدودًا ، ولم يرد إلا في أبيات محددة ، وأيًا كان الأمر ، فإن قضية الغموض في الشعر الحديث قد أخذت أبعادًا تدفعنا للبحث فيها ، وتعرّف أسبابها ، ولعل هذا الغموض ناتج عن أمور ، أو يكمن في عدة جوانب من أهمها :
البعد الدلالي:
     ونعني به : اللفظة ، والاستعارة ، وإهمال حروف الربط (كحروف العطف) ، والمقاطع الشعرية .
      والبعد الدلالي سيان في النثر والشعر ، إلا أنه في الشعر مختلف عنه في النثر ، ففي النثر يأتي البعد الدلالي كما هو متعارف عليه ، وتأتي اللفظة في سياقها لتدل على المعنى الذي وضعت له ، أما الشعر فإنه يحطم هذا النمط الدلالي المتعارف عليه ؛ لأنه يعتمد على النظم.
     وتلعب الاستعارة دورًا رئيسًا في بروز الغموض في الشعر ، وإذا كانت الاستعارة ليست بجديدة على الشعر قديمه وحديثه ، إلا أنها ازدادت في الشعر المعاصر ، وبخاصة عند الشعراء الرومانسيين . وعندما نذكر الاستعارة في هذا المجال ، فذلك لأن الاستعارة تعني انتقال المعنى من المعنى الأول الأصلي إلى معنى آخر ، مما يعني اختلاف دلالة الكلمة بين الأصل والمعنى الجديد ، ناهيك عن ضياع المدلول ككل إذا انعدم ما بينهما من علاقة ، وبخاصة في الصورة الشعرية ، لتبدو هذه الصورة غامضة ، وهذا كثير في الشعر المعاصر ، الذي يبتعد بالكلمة عن مدلولها من خلال الصورة ؛ فالكلمة المفردة يتحدد معناها حسب السياق من خلال موقعها في الجملة ، ولما كانت الاستعارة سببًا في تغيير وتبديل السياق والمعنى ، فإن ذلك يعني مزيدًا من الغموض ، فالقصيدة عبارة عن مجموعة من الصور الجزئية الصغيرة المترابطة التي تشكل في النهاية القصيدة ذاتها ، لذا نجدهم يقولون: إن القصيدة المعاصرة استعارة كبرى ، أو واسعة ، يكبر معها الغموض ويتسع. ومن أمثلة هذه الصورة قول الشاعر :
( بيوتك ترحل من ذكرياتي ).
     فالمعروف أن البيت بناء يأوي إليه الإنسان ، والفعل يرحل إنما يخصص للكائن الحي الذي يرحل ويظعن ويستقر ، والشاعر هنا جعل الفعل ترحل متعلقا بالبيوت ، فجاء ارتباط البيوت بالرحيل ، ارتباطًا غير مألوف ؛ لأن الشاعر ربط بين جماد وفعل حركي ، فخالف بذلك اللغة العادية ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل أضاف إليه مزيدًا من الغموض والغرابة ، عندما جعل البيوت ترحل من الذكريات !! فالذكريات مساحة تُختزن فيها ذكرياتُ الإنسان ، وأحداثٌ لها مبررات التخزين ، وليست ساحة تقام فيها البيوت وترحل !! فالذكريات انطباع مطبوع ومحفور في الذاكرة.
     إذًا فرحيل البيوت غير مألوف ، ورحيلها من الذاكرة لا علاقة له بالمعنى القريب للغة ، وهو أمر غير مألوف أيضًا.
    ويمكن أن تقول هنا: إن الشاعر لا يطلب من القارئ فهمًا فوريًّا للمعنى في شعره ، فهو يريد خلق نوع من الإيحاء لدى القارئ ، لينقله إلى تجربته الشعرية ، ويشاركه فيها ، ووسيلته في ذلك إعادة صياغة الأشياء على غير ما هي عليه في الواقع ، وذلك من خلال اللغة التي يحاول تحطيمها ، ليصنع منها لغة جديدة تخدمه في نقل عالمه الداخلي الخاص إلى الآخرين ..
  ومن أسباب الغموض ، عدم مراعاة نظم الربط بين أجزاء القصيدة بإهمال حروف العطف وغيرها من وسائل الربط في اللغة ، وهذا بالطبع خروج على قوانين اللغة المتعارف عليها ، مما يوقع القارئ في حيرة هي الغموض عينه ، ولعل أحدًا يقول: إن الشاعر يستعيض عن هذه الحروف والوسائل بطرق ربط أخرى ، وذلك ليحقق الانسيابية في النص!! ومن هذه الطرق ، التكرار والفاصلة ، والنقطة أو النقط المتوالية ، أو وضع كلمات في غير مكانها لترتبط مع بقية الجملة ، كأن يضع الفعل في آخر السطر الشعري ، والفاعل في بداية السطر الشعري اللاحق له ، أو يضع المضاف في السطر الشعري ، والمضاف إليه في بداية السطر الذي يليه ، كقول الشاعر:
          طيور الشوق ، تحضنها ، تلاعبها ، تقرأ
          بين سطورها الأشواق ، كأن الشوق
          أغنية ، بلا ألحان بلا
          أوطان
          تهاجر فيها
          أحزاني
     ففي هذا النص ، لا توجد أدوات ربط بين المفردات وبين الجمل ، وهذا يجعل الصورة موزعة ومشتتة ، فالنص غير متجانس ، والصورة لا تبدو واضحة المعالم بسبب تراكم الجمل ، وتراكم المفردات ، وهذا لا يساعد على وضوح المعنى ، ويؤدي إلى الغموض الذي يؤدي إلى صدم القارئ وتشكيكه في مقدرته على الاستيعاب والفهم !!.
     أمرٌ آخر يُعد من أسباب الغموض ، وهو اعتماد كثير من الشعراء على نظام المقاطع الشعرية ، فقد تكون القصيدة ذات مقاطع ، لكل مقطع رقم أو عنوان ، أو رقم وعنوان ، أو لا رقم ولا عنوان ، ومن المفترض أن تكون هذه المقاطع مرتبطة بوشيجة تجمعها في النهاية ، إلا أن بعض الشعراء يَصدمون القارئ ، ويلقون به في بحر الغموض ، عندما يفاجأ بانقطاع المقطع الشعري ، أو الفقرة الشعرية عن المقطع الذي يليه كقول أحدهم :
يا أهل هذه القرية الكرام  
محسنكم أتى ككل عام
ليغرس المسجد والضريح
ويملأ الأسماع بكلامه الفصيح
     ثم يأتي الشاعر بالمقطع التالي ، فيتحدث فيه عن لوحة وألوان دامية ،  وسهول ووديان وخريف وظلال ورعاة وأشباح و…!! وهو كلام بعيد كل البعد عما سبقه من المعاني والأفكار ، فالمقطع الأول في وادٍ ، والثاني في واد آخر ، أحدهما في الشرق والثاني في الغرب!!.
     وقد يقول قائل: إن الوحدة العضوية في القصيدة المعاصرة لا تعتمد على الترابط الشكلي الخارجي بين المقاطع ، بقدر اعتمادها على إيجاد الصور ، ووحدة المشاعر والأفكار التي تثيرها القصيدة ، وهذا يعني أن النقد المعاصر لن يعجز عن إيجاد مخرج لمثل هذا التشتت ، وتبرير هذا الضياع ، وذاك الغموض.
                                                                                                                 يتبع ...2