شريط الأخبار
الاردن يرحب بالقرار الجديد لمحكمة العدل الدولية "العدل الدولية" اامر اسرائيل باجراءات لادخال المساعدات لغزة مندوب الملك وولي العهد يشارك بتشييع الفريق طارق علاء الدين المحكمة تقرر تعويض مستثمر بـ 15.5 مليون دينار من بلدة الرصيفة سلب سريلانكية بالتهديد باداة حادة غرف الصناعة تطالب باشتراط اسقاط الحق الشخصي للعفو عن مصدري الشيكات قراءة استراتيجية: مخطط إسرائيل بتدمير حماس يقترب من الفشل "الاعيان" يقر قانون العفو العام اصابة 3 مستوطنين بجروح باطلاق نار في الاغوار "ذا إيكونوميست”: في لحظة قَوتها العسكرية.. إسرائيل ضعيفة للغاية صورتاه وهو ينتحر.. تبرئة شقيقتين من قتل والدهما في عمان ارتفاع الحرارة اليوم .. وعدم استقرار جوي ضعيف الجمعة والسبت تصعيد كبير على حدود لبنان وشهداء.. وصواريخ حزب الله تنهمر "الكهرباء الاردنية" تؤسس شركة لشحن المركبات الكهربائية غرف الصناعة تبحث أثر شمول جرائم الشيكات بالعفو العام محافظة يرجح صدور نتائج المنح والقروض الجامعية قبل العيد حماس تنشر رسالة مسجلة لقائد "كتائب القسام" محمد ضيف 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى حزب المثاق يعلن مشاركته بالانتخابات النيابية القادمة الملك والملكة وولي العهد يلتقون وجهاء وممثلين عن البادية الوسطى

الدكتور نهاد الموسى

شيخ النحاة ... الفارس الذي ترجل

شيخ النحاة ... الفارس الذي ترجل
د. محمد علي النجار


    كم كنا محظوظين عندما كنا طلابًا في الجامعة الأردنية ، نتتلمذ على أيدي قامات في اللغة العربية ، تتنوع في أساليبها ، وطرائقها ، وفكرها ، وتوجهاتها ، وعلومها ، وثقافاتها ، بما يثري عقولنا ، ويوقظ أفهامنا ، ويثير تفكيرنا ، ويزيد من الثقافة حصيلتنا.

    شيخ من شيوخ النحو العربي بعد مسيرة عطاء يرحل .. وفارس من فرسان اللغة العربية يترجل .. وعَلَم من أعلام الجامعة الأردنية على مدى قرابة نصف قرن ، يغادرنا إلى رب رحيم .. الدكتور نهاد الموسى الذي عرفناه بعلمه ، وتمكنه من مادته ، وبُعد نظره ، ونحن هنا لا نجامل أحدًا .. لقد درسنا وقتها النحو (أ) والنحو (ب) ثم النحو (ج) فكان النحو مختلفًا مع الدكتور نهاد الموسى ، وبخاصة مع كتاب (أسرار العربية) الذي يستفزك بافتراضاته ، وتساؤلاته ، ويدفعك للتفكير والتعليل ، والبحث عن إجابات للقضايا النحوية المطروحة.


    أذكره رحمه الله عندما أومأ إليَّ برأسه فتوجهت إليه ، وأوراق الامتحان بين يديه ، خاطبني مبتسمًا معاتبًا "اسمك محمد علي النجار وتخطئ في هذه!!" في إشارة منه إلى شيخ اللغويين د. محمد علي النجار محقق كتاب الخصائص لابن جني.
    لم تكن مادة النحو أو الصرف من المواد السهلة على الطلبة ، وهذا ما أشرت إليه في سلسلة مقالات (أبناؤنا وصعوبة النحو) لذا كان الطلاب يحسبون لها ألف حساب ، إلا أن تمكن الدكتور نهاد رحمه الله من مادته ، وثقته بنفسه ، واتزان شخصيته ، وابتسامته التي ترتسم على محياه في الوقت المناسب ، وانفتاحه على طلبته ، كان له الأثر الكبير في فهمهم للمادة ، واستيعابهم لها رغم صعوبتها عليهم ، والضعف قبل دخول الجامعة في حصيلتهم.


    رحم الله الدكتور نهاد الموسى الذي كان قريبًا منا ، يحثنا على العربية الفصيحة .. يدعمنا ويشجعنا ، ويشاركنا أنشطتنا في القسم ، لقد كنت في جمعية اللغة العربية ، وبمعية أخي وصديقي الدكتور محمد عبد الكريم عتوم ، كنا أول من أشهر في منتصف السبعينيات برنامج (الاتجاه المعاكس) على مسرح سمير الرفاعي في الجامعة الأردنية ، قبل قناة الجزيرة ، وشارك الدكتور نهاد في أول مواجهة كانت بين الدكتور سري ناصر ، والدكتور عبد السلام العبادي رحمه الله.  


"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" الموت سنة الله في خلقه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو الحقيقة التي لا مفرّ منها ، وهنا نستذكر كوكبة من شيوخنا الأفاضل ، وأساتذتنا الأجلاء الذين سبقونا إلى دار الحق ، ولعل في مقدمتهم شيخنا الجليل الذي غادرنا مبكرًا ، الدكتور محمود إبراهيم جزاه الله عنا كل خير ، فقد هيأنا لمرحلتي الماجستير والدكتوراة ، من خلال التقارير والأبحاث التي كان يكلفنا بها ، ويشجعنا على كتابتها ، ويكافئنا على إنجازها ، ويرفض مبدأ الحفظ ، ويشجع على الفهم والبحث ، ولما كنت مندفعًا ، عرضت عليه وأنا في مستوى السنة الرابعة ، عنوانًا تدور حوله رسالة الماجستير ، فابتسم وقال: لا تتعجل ، ستغير رأيك كثيرًا ، وكان ما قال.


    وممن نذكره بخير ، ونستذكر أيامه ، الدكتور نصرت عبد الرحمن ، الذي رحل أيضًا مبكرًا ، فهو من طراز فريد في علمه وإنسانيته ، عرفناه في فن الكتابة والتعبير .. وعرفناه في:
بكرتْ سُميةُ بكرةً فتمتعِ     وغدتْ غُدُوَّ مُفارقٍ لم يَربَعِ
وذلك التفسير والشرح ، الذي طبقه على أكثر من قصيدة جاهلية ، والذي ينم عن عقلية باحثة تحليلية منطقية ، وما تزال كلماته تطرق أذني: "أنا ضنين عليك يامحمد" وذلك عندما اعتذرت عن بعثة للحصول على الماجستير والدكتوراة في جامعة السوربون تم ترشيحي لها!!.


    ولم يكن الدكتور نصرت بعيدًا عن جمعية اللغة العربية التي كان يشرف عليها ، ويتابع انتخاباتها ويرعاها ، ويدافع عن نشاطاتها ، ويسدد خطاها ، ويحاول أن يوازن بين أفكار وتوجهات أعضائها. ولم تنقطع علاقتي به لوجودي خارج الأردن ، بل استمر التواصل معه هاتفيًا ، وزيارته في مكتبه خلال وجودي في الأردن ، وقد عرضت عليه مخطوط كتاب لي بعنوان (الإعلام في أسواق العرب في العصر الجاهلي) فكنت أشعر وأنا أقرأ تعليقاته ونقده للكتاب ، وكأنه يطل عليّ من بين السطور ، يناقشني ويحدثني!!.


    أما الدكتور محمود السمرة فأمر آخر ، لقد عرفته قبل دخولي الجامعة بسنوات طويلة من خلال مجلة العربي ، وظل اسمه ملتصقًا بذاكرتي ، إلى أن عرفنا (أدب اللامعقول) على يديه ، وقرأنا جورج أورويل ، وتعرفنا روايته (1984) التي تكاد تصور واقع المجتمعات في العالم في عصرنا الحاضر .. 
عرفت الدكتور السمرة غيورًا على قسم اللغة العربية بالجامعة ، يتحسس أخباره ، ويقوم مساره .. صحيح أن الدكتور السمرة رحمه الله كان نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية ، إلا أنه لم يكن بمعزل عن الطلاب ، فقد أعلمته ذات يوم بأن منحة مالية صرفت خطأً لطالبة في القسم ، والأصل أن تصرف لي ، لأنني كنت الأول في القسم ذلك الفصل ، فتابع الموضوع مع شؤون الطلاب ، وتسلمت المبلغ بعد أن تنازلت عن جزء منه ، وأحسست من كلامه أنه كان يحرضني على أخذ حقي كاملاً ، ولا يريد مني أن أتنازل عن شيء ، ومن يومها توطدت علاقتي كطالب - يعرف حدوده - مع أستاذه ، حتى أرسل يومًا في طلبي ، وعندما دخلت مكتبه ، وجدت عنده ضيفين ؛ أحدهما الشاعر عبد الرحيم عمر  أول رئيس لرابطة الكتاب ، فقدمني إليه ، وكنت وقتها (شويعرًا) أكتب الشعر ، وأنشره في مجلة القسم التي كنت أشرف عليها .. 
وما زلت أذكر الكلمات التي قالها الشاعر للدكتور السمرة: "الطالب محمد يذكرني بطلاب أيام زمان!!".
    أما أستاذنا الدكتور عبد الكريم خليفة ، الذي عشنا معه في رحاب الأدب الأندلسي وبلاط الأدب العباسي ، فكان وقتها رئيسًا للقسم .. كان على مظهره الشديد ، وقلة ابتساماته ، محبًا لطلابه ، كان جادًا في تعامله ، ويريد لطلابه أن يكونوا كذلك ، كثيرًا ما كان يراني في المكتبة ، فكان يشير إلي بيده ، وعندما اقترب من طاولته ، يبدأ رحمه الله بمخاطبتي بصوت خافت ،  كانت أول مرة أتعامل معه خارج قاعة المحاضرات ، عندما كنت في السنة الثانية ، طلب مني تخريج أبيات من الشعر  ، وأخذ يناقشني في الأبيات .. 
وأن سمات الشعر الهذلي تغلب عليها ، ولم أكن وقتها أفقه كثيرًا مما يقول ، وما كنت أعرف ماذا يعني بتخريج الأبيات ، إلا أنني فهمت من شرحه وطرحه ماذا يريد ..
 وعدت إليه دون تأخير ، فمكتبة الجامعة تزخر بالمصادر التي أعانتني على هذا التخريج ، الذي قدمته إليه ، فأثنى علي ، وعلى الترتيب والتنظيم وخط النسخ الجميل!!.
    ولا أنسى الدكتور محمد بركات أبو على رحمه الله ، الذي قدم للمكتبة العربية عددًا من الدراسات البلاغية المهمة ، وإن كنا قد أفدنا منه في مادة المعاجم العربية ، وقد بقيت على تواصل معه ، وتفاجأت بخبر وفاته ، وكان قد أهداني كتاب كليلة ودمنة في الأدب العربي ، وبعض كتبه البلاغية ، التي تبرعت بها ضمن مكتبتي ، لمكتبة مركز جمعة الماجد بدبي.
    أما الدكتور عبد المجيد المحتسب رحمه الله ، فقد درسنا على يديه مادة اتجاهات التفسير في العصر الراهن ، والذي زودنا من خلال المادة ، بقدر كبير من الثقافة الخارجية الخاصة!! ، وفتَّح (بتشديد التاء) عيوننا على قضايا مهمة ، وأدخلها في صلب محاضراته.
    رحم الله الدكتور نهاد الموسى شيخ النحاة ، الذى كنا في الأردن نفاخر به الآخرين ، ورحم الله إخوانًا له في الجامعة الأردنية ، كانوا أساتذة لنا ، نهلنا سنوات من علمهم .. رحمهم الله ، وأسكنهم فسيح جناته .. لقد كانوا أعلامًا يُهتدى بنورهم ، وعزاؤنا فيهم جميعًا ، أنهم خرَّجوا أجيالاً رفعوا راية العربية بعدهم ، وحملوا الأمانة ليُنتفع بعلمهم ، وأن الساحة لن تخلو برحيلهم من ورثتهم ، بإبداعاتهم وعطائهم وإخلاصهم.
رحم الله من سبقنا ... وأطال الله أعمار من بقي بيننا ، ومتعهم بموفور الصحة والعافية ...
إنا لله وإنا إليه راجعون.