شريط الأخبار
غرف الصناعة تطالب باشتراط اسقاط الحق الشخصي للعفو عن مصدري الشيكات قراءة استراتيجية: مخطط إسرائيل بتدمير حماس يقترب من الفشل "الاعيان" يقر قانون العفو العام اصابة 3 مستوطنين بجروح باطلاق نار في الاغوار "ذا إيكونوميست”: في لحظة قَوتها العسكرية.. إسرائيل ضعيفة للغاية صورتاه وهو ينتحر.. تبرئة شقيقتين من قتل والدهما في عمان ارتفاع الحرارة اليوم .. وعدم استقرار جوي ضعيف الجمعة والسبت تصعيد كبير على حدود لبنان وشهداء.. وصواريخ حزب الله تنهمر "الكهرباء الاردنية" تؤسس شركة لشحن المركبات الكهربائية غرف الصناعة تبحث أثر شمول جرائم الشيكات بالعفو العام محافظة يرجح صدور نتائج المنح والقروض الجامعية قبل العيد حماس تنشر رسالة مسجلة لقائد "كتائب القسام" محمد ضيف 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى حزب المثاق يعلن مشاركته بالانتخابات النيابية القادمة الملك والملكة وولي العهد يلتقون وجهاء وممثلين عن البادية الوسطى 40% زيادة القادمين والمغادرين لمركز العمري الملكة تستمع من مديرة "انقاذ الطفل" حول اوضاع اطفال غزة الجمعية الفلكية: عيد الفطر في 10 نيسان القادم الدفاع المدني يخمد حريق ثلاثة صهاريج محملة بمواد نفطية بإربد الغجر.. القبيلة الفرعونية الضائعة

د. محمد علي النجار يكتب:

أزمة المياه ... هل من حل؟

أزمة المياه ...  هل من حل؟
 
 
إن مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه الذي لم يبدأ العمل به ، لا يعني أننا قد خرجنا من عنق الزجاجة ، وأن الأزمة قد انتهت ، أو في طريقها للانتهاء ، بل يجب أن يستمر البحث دون توقف عن مصادر أخرى ، وحلول جديدة ، فالأردن المبارك لن يعدم الوسيلة للحصول على الماء ، وإيجاد حلول أصيلة ، وأخرى بديلة للأزمة المائية.


 
 
يبدو أننا استغرقنا في الحديث كثيرًا في هذا الموضوع ، تأكيدًا على أهميته ، ومحاولة للإحاطة ببعض جوانبه. إن الأزمة المائية التي نعاني منها تحتاج إلى تضافر الجهود ، بسبب قلة الخيارات المتاحة ، فقد طرق المسؤولون كل الأبواب الممكنة ، إلى أن رأينا الاستراتيجيات والدراسات منذ سنوات ، تأخذ في حساباتها (مشروع ناقل البحرين) حلاً لهذه الأزمة المائية المستعصية ، والذي كان بالفعل سيعمل على حل جانب كبير من المشكلة ، إلا أنه بعد طول انتظار ، أصبح المشروع في خبر كان ، بالرغم من وجود تلميحات في الأسبوع الماضي ، تشير إلى أن المشروع ما زال على الطاولة ، مما يعني احتمال بحثه من جديد!! ، وسواء تمَّ طرح المشروع مجددًا ، أو ظل في خبر كان ، فإنَّ علينا ألا ننتظر ، فما حك جلدك مثل ظفرك ، فتول أنت جميع أمرك ، بل علينا المبادرة بحل أزماتنا داخليًا بأيدينا قدر استطاعتنا ، وفي إطار إمكاناتنا ، فذلك خير من انتظار الحلول لأزماتنا من الخارج ، ولهذا ، وجدنا البديل الوطني بعد توقف ذلك المشروع ، حيث تحولت الأنظار إلى مشروع جديد ، هو مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر ، على شاطئ مدينة العقبة جنوب المملكة ، وهو بديلٌ جيدٌ في ظل البدائل القليلة المتاحة ، ولا شك في أن الدراسات قد استوفت المشروع من كل جوانبه ، ابتداءً من دراسة الجدوى ، وكلفة المشروع ، مرورًا بالإنتاج والضخ والنقل ، والأخذ في الاعتبار ضيق المجرى في خليج العقبة ، كممر مائي محصور ، وقصر الساحل ، وأخطار التلوث البحري ، العرضي أو المتعمد ، ووضع الحلول والبدائل في حالة حدوث بعض المفاجآت ، وانتهاءً بمواعيد دخول المشروع في الخدمة ، لتزويد السكان بمياه الشرب.


 
 
وفي الوقت الذي نثمن فيه هذه الجهود الإيجابية ، إلا أنني أعتقد أن هذا المشروع جاء متأخرًا ، بالنظر لاستفحال أزمة الماء في البلاد ، إذ من المتوقع أن يبدأ تنفيذه مطلع العام المقبل ، فيما تنتهي المرحلة الأولى منه عام 2025-2026 ليوفر 130 مليون متر مكعب من مياه الشرب ، لترتفع كمية الإنتاج إلى 250-350 مليون متر مكعب من مياه الشرب مع انتهاء المرحلة الثانية ، التي لا نعلم متى ستنتهي.


 
 
 
فنحن إذًا في سباق مع الأيام ، إذ وفقًا لما أفاد به المكتب الإقليمي لشرق المتوسط ، التابع لمنظمة الصحة العالمية ، فإن الأردن سوف يدخل في حالة من الفقر المائي المدقع ، بحلول عام 2025 ما لم يتخذ تدابير فعالة. وهذا يحتم علينا جميعًا ، مواصلة البحث والتنقيب عن حلول لهذه المعضلة.


 
 
 
إن الكلام سهل ، وإلقاء اللوم مباح ، والنقد والتجريح بكل أسف واردٌ ، وممكنٌ بأنواعه ، وحدّث ولا حرج ، وتحميل المسؤولية للآخرين تعوَّدنا عليه ، وإرضاء الناس غاية لا تدرك ؛ صحيح إنَّ هناك بعض التقصير ، إلا أنه في ظل الظروف الصعبة المحيطة بنا ، والبدائل القليلة المتاحة ، ما كان بالإمكان أفضل مما كان ، ولكن من حق المرء أن يشعر بالضيق مشوبًا بالعتب ، عندما يتذكر أن الأردن قدوة علمية للآخرين ، فهو غنيٌ بطاقاته العلمية المتميزة ، من الخبراء ، والاستشاريين ، ومن الفنيين ، والمبدعين ، ومن أساتذة الجامعات ، وطلبتها النابغين ، ومع ذلك لا نقع على بحث أو مشروع ابتكاري إبداعي في هذا المجال ، أو دراسات وخطط طموحة ؛ لاستثمار هذه الكميات من الأمطار التي تهطل سنويًا على المملكة ، علمًا بأن الوضع المائي في الأردن ، كان يجب أن يلفت انتباههم إلى أهمية هذا الأمر ، ويدفعهم لاقتحام هذا القطاع بالدرس ، والبحث ، والتجريب ؛ فقبل أيام قليلة ، تمت الموافقة على تمويل 27 مشروعًا بحثيًا و 4 مشاريع ابتكارية ، بقيمة (1.429.739) دينار ، وهذه الأبحاث والمشاريع ، لا تُعد تَرَفًا علميًا بقدر ما هي حاجة ملحة ؛ لإيجاد حلول لبعض مشكلات المجتمع ، وعند استعراض عناوين هذه الأبحاث ، لم نجد منها بكل أسف رغم أهميتها اهتمامًا بأزمة المياه ، باستثناء بحث واحد ، لامَسَ الموضوعَ من بعيد ، حيث يدور حول تجارب محاكاة المناخ وهطول الأمطار. فأين الأساتذة والعلماء في وطني عن هذه الأزمة ، وهم الذين بمشاركاتهم القيّمة في دراساتهم وأبحاثهم العملية التطبيقية ، يتطور الوطن ويرتقي ، وأين الأساتذة من توجيه طلبتهم لتناول الأزمة من خلال أبحاث التخرج ، التي لا نريدها أبحاثًا وصفية للواقع ، بل نريدها خروجًا منه ، لعل عقولاً مبدعة من بينها ، تُخرجنا من هذه الأزمة المستوطنة.


 
 
ثإن مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه الذي لم يبدأ العمل به ، لا يعني أننا قد خرجنا من عنق الزجاجة ، وأن الأزمة انتهت ، أو في طريقها للانتهاء ، بل يجب أن يستمر البحث دون توقف عن مصادر أخرى ، وحلول جديدة ، قبل ، وأثناء العمل في المشروع ، وبعد الانتهاء منه ، فالأردن المبارك لن يعدم الوسيلة للحصول على الماء ، وإيجاد حلول أصيلة ، وأخرى بديلة للأزمة المائية ، فضمن تقريرٍ صدر عن لجنةِ القانونِ الدولي ، حول دراسةٍ للموارد الطبيعية المشتركة ، جاء فيه أن المياه الجوفية توجد داخل مجموعات من شبكات مستودعات المياه في كل مكان من القشرة الأرضية.
 
 
ولا شك في أن الأردن لا يخلو من هذه المستودعات ؛ المتجددة منها وغير المتجددة ، والتي يجب على الأردن استثمارها ، فقد تم تحديد ثلاثة عشر حوضًا للمياه الجوفية ، منها ما هو مشترك مع كل من السعودية ، وسوريا الشقيقتين ، إضافة إلى حوض وادي عربة ، وهي المستودعات المائية التي يجب دراسة الحركة المائية فيها ، والاستفادة من الدراسات والأبحاث التي جرت في دول أخرى ، وطُبقت في حالات مماثلة ، لاستثمارها ، واستخدام مياهها للشرب بعد معالجتها ، مع الإشارة إلى أهمية الاستفادة من مستودع المياه الجوفية في وادي رم ، الذي يُشار إلى أنه يحتوي على كميات ضخمة من المياه العذبة ، ذات الجودة العالية.
 
 
 
لا نريد أن نخوض في قضايا فنية لها أصحابها من المتخصصين ، الذين هم أدرى وأعلم بتفاصيلها وجزئياتها ، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ، فنحن أمام مشكلة مائية لا يمكن أن نغمض العيون أمامها ، وبالتالي نحن مطالبون وفي أقصر وقت ، باتخاذ إجراءات إسعافية عاجلة للأمر ، منها صيانة شبكات المياه ، ومعالجة الفاقد من مياه الشرب ، الذي تبلغ نسبته في بعض الحالات خمسين بالمئة ، وهي كمية لا يستهان بها.


 
 
 وليس ببعيد من ذلك الاعتداءات الجائرة على خطوط المياه ، حيث تم قبل أيام قليلة ، ضبط اعتداءات على خطوط رئيسة ، بهدف تزويد عقارات ، ومزارع ومسابح بالماء بطرق غير شرعية ، وفي الوقت الذي نقول فيه: إن من حق هؤلاء الحصول على الماء لتلبية احتياجاتهم ، إلا أن الاستيلاء عليه ، بعيدًا عن الطرق القانونية ، لا يمكن أن يكون مقبولاً ، فهو نهبٌ لمقدرات الوطن ، واستيلاءٌ على حقوق المواطنين ، وسلوكٌ مشجعٌ للإسراف ، والهدر والتبذير ، كونه أُخذ بغير حساب أو محاسبة ، في وقت يظل العطشى الذين لا يجدون الماء أحق بهذه الكميات المهدورة. 


 
 
وهذه هي واقعة من عشرات الاعتداءات التي تمت وكُشف عنها ، أو تلك التي لم يتم اكتشافها حتى الآن ، وما زال أصحابها يسطون على مقدرات الوطن ، ويهدرون ثروته المائية دون رادع من ضمير.


 
 
 
لا شك أن يدًا واحدة لا تصفق ، وأنَّ على المواطن أن يتعرف أبعاد المشكلة ، ليشعر بالمسؤولية تجاهها ، ويشارك في حلها ، من خلال ترشيد الاستهلاك من الماء ، ففي إحصائيات عام 2015 كان عدد الأسر في المملكة 1.953.194 أسرة ، ولا أعتقد أن عددها الآن يقل عن مليونين ، فلو أن كل أسرة بدأت بالاستخدام الرشيد للماء ، لكان بوسعها أن توفر ما لا يقل عن 20 لترًا كحد أدنى يوميًا ، أي ما يقارب 15.000.000 متر مكعب من مياه الشرب سنويًا ، إن لم يكن أكثر ، ومن هنا نرى أهمية إشراك المواطنين في التخفيف من أعباء الأزمة ، وأعتقد أن وسائل الإعلام مقصرةٌ في هذا الجانب التوعوي ، تمامًا كتقصيرها - وإصابات كورونا تزداد- بتوعيتهم بأهمية استخدام الكمامات ، وبقية الإجراءات الوقائية المتبعة لحماية المجتمع.



 
 
إن الحلول متعددة ومتشعبة ، يتقاسمها الجانب الرسمي مع الجانب الشعبي ، ما بين اهتمام بالسدود المقامة ، وصيانتها ، وإزالة الترسبات والمخلفات منها ، وتأهيلها لتخزين المزيد من الحصاد المائي شتاءً ، إلى بناء سدود جديدة بأحجام مناسبة ، في أماكن السيول ، وجريان المياه وتجمعها ، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية مناطق الأغوار بهذا الخصوص ، إضافة إلى ضرورة تحويل الزراعة التقليدية القديمة (الغمر) الذي يؤدي إلى ضياع قسم غير قليل من الماء من خلال التسرب والتبخر ، إلى الري بالتنقيط. فيما تتمثل مساهمة الجمهور بهذا الشأن بتقنين استخدام المياه حسب الحاجة الفعلية ، وإعادة تدوير استخدام المياه ، وتفعيل استخدام الآبار ، أو خزانات الماء الأرضية في البيوت ، لتجميع الأمطار المتساقطة على الأسطح ، واستخدامها في ري المزروعات المنزلية ، وتنظيف الأرصفة ، والأدراج وغيرها من الاستخدامات ، مما يقلل الضغط على الشبكة ، ويوفر الكثير من مياه الشرب.


 
 
 
وأخيرًا ، فإن أزمة المياة مشكلة يعاني منها الجميع ، وعلى كل فرد في هذا المجتمع ، ألا يقف عاجزًا متفرجًا ، أو منتقدًا متذمرًا ، بل عليه أن يشارك بفاعلية في إيجاد الحلول ، كل حسب موقعه وطاقته ، فإذا صدقت الجهود ، وعلى حب الوطن الْتَفَّت القلوب ، والتقت الأيدي ، والسواعد والزنود ، وباشرت الأدمغة والعقول إبداعاتها ، وحقق كل واحد منا معنى الانتماء والإخلاص لهذا الوطن ، فاستبشروا خيرًا ، فإن السفينة في طريقها إلى بر الأمان.